المغامرات أولًا والشروحات لاحقًا (1/2)

قالت أليس : يمكنني أن أخبرك عن مغامراتي بداية من هذا الصباح، لكن لا فائدة من العودة للأمس لأنني كنت شخصًا مختلفًا حينها

أخبرينا بذلك كله، ردت السلحفاة

قال جريفون : لا لا ..المغامرات أولاً..فالشروحات تأخد وقتًا لا يُحتمل

.مقتطف من أليس في بلاد العجائب للويس كارول

” المغامرات أولا فالشروحات تأخذ وقتًا لا يُحتمل..” أتذكر هذا الاقتباس دائمًا أثناء حديثي مع المعلمين والمربين عن التعلم من خلال المشاريع. . يمكننا تعريف التعلم من خلال المشاريع ببساطة هو أن يتعلم الناس- أطفالًا كانوا أو كبارًا – من خلال العمل على مشروع يحاولون الإجابة فيه عن سؤال ما في العالم ويجدون في ذلك المشروع معنىً شخصيًا بالنسبة لهم. 

عادة في بيئات التعلم يرى المعلمون والمربون أنهم في موقع مسئولية، فلديهم معرفة كبيرة وخبرة يقدرونها كثيرًا ويسعون إلى نقلها إلى المتعلمين لديهم. ويصبح السؤال دومًا عن الطريقة المثلى لتوصيل المعلومة ونقل هذه المعرفة. فإذا نظرنا لكثير من تجارب التعلم سنجد أن أحد السيناريوهات المنتشرة والتي تبدو منطقية تكون كالتالي : 

عادة تبدأ تجارب التعلم بتقديم موضوع ما مثلاً قوانين نيوتن للحركة. يبدأ المعلم بنقاش أو بإثارة الاهتمام ثم بتقديم شرح لكل قانون على حدة. مع عرض أمثلة حياتية لتطبيق هذا القانون، ككيفية عمل المنطاد الهوائي مثلا وتفسير سقوط الأجسام على الأرض أو ارتفاع بالون الهيليوم بدلًا من سقوطه.  ثم يُطلب من المتعلمين العمل على أمثلة , تطبيقية مختلفة للتأكد من الفهم، نأمل حينها أن المتعلمون يستطيعوا فهم هذه المعارف بشكل أفضل وستثبت المعلومة في رؤوسهم. قد يأتي بعد ذلك مشروع ختامي يطبق فيه المتعلمين كل ما تعلموه خلال الوحدة أو خلال الفصل الدراسي.
 

قد يبدو ذلك التسلسل منطقي لحد كبير، ويبقى السؤال في بيئة تعلم كتلك  عن ما هي الطريقة المثلى ل”توصيل المعلومة” وكيف تصبح شخصية المعلم محبوبة  وجذابة للمتعلمين ليتقبلوا منه المعلومة بشكل أفضل. لكن في الواقع بيئة تعلم كهذه بها عدة مفاهيم مغلوطة عن التعلم وكيف يتعلم الناس. ويمكننا النظر لهذه التجربة بطريقتين : الصورة الكبيرة وتفاصيل الصورة.

الصورة الكبيرة :

: فإذا نظرنا للصورة الكبيرة فإن تجارب تعلمنا في الحياة معاكسة كليًا لهذه الصورة  وهو ما يعبر عن جوزيه أرماندو فالنتي[1]بقوله  

والتعلم خارج هذا السياق الأكاديمي لا يتبع هذا التسلسل.  الأشياء التي نتعلمها في الحياة على سبيل المثال ، الحبو والتحدث والتفاعل الاجتماعي ، العلاقات  وتربية الأطفال ، وما إلى ذلك لا تسير من خلال تعلم المفهوم ، ثم تطبيقه في المواقف العملية. في هذه الحالات ، يتم التعلم من خلال القيام بفعلٍ ما، وبناءٍ على نتائج ذلك الفعل يتأمل المتعلم في ما نتائج ما قد قام به ويحاول فهم ما قد حدث. ولفهم ذلك بشكل أفضل قد نحتاج لمساعدة شخص أكبر يساعدنا على فهم ما قد حدث ويمدنا بالمعلومات التي تساعدنا على تكوين فهمنا لما حدث أو النظرية المبني عليها الموضوع الذي نتعلمه. في النهاية يأتي دور تكوين المفهوم [1].

 تفاصيل الصورة:

وإذا نظرنا لتجربة التعلم بتفاصيلها ومراحلها فسنرى أننا  هنا نحن نُفكك المعرفة لسلسلة من معلومات مجردة تُنقل من مرسل لمُستقبل  ويُطلب من المستقبل أن يقوم بتجميع هذه المعارف ليطبقها بنفسه لاحقًا. وكأننا  ننظر للمعرفة أنها تتكون بهذا الشكل

 بينما في الواقع يمكننا النظر للمعرفة أنها بطريقة مشابهة لهذا الشكل..

عندما نواجه فكرة جديدة فإننا نحاول ربطها بأفكارنا و معارفنا السابقة، ربما نتعلم من خلال ذلك شيئاً جديداً أو تتضح أكثر فكرة سابقة نملكها ، أو نتجاهل هذه المعلومة الجديدة بالكلية. [2] عندما نفكك المعرفة لمعلومات متسلسلة فنحن نطلب من متعلمينا جميعهم أن يكونوا معرفتهم بنهج واحد وتسلسل واحد وكأننا أوعية خاوية تُملأ بالمعرفة شيئا فشيئا. وهذا لا يحدث أبدًا.  فمثلًا إذا قرأنا جميعًا نفس الكتاب فذلك لا يعني أننا سنخرج بنفس الأفكار ولكن سيتفاعل كل شخص منا مع الكتاب بشكل مختلف وطريقة مختلفة بناءً على خبرته وتجاربه السابقة. يبدو الأمر بديهي جدًا ولكن  لا أعلم لماذا عندما نأتي لبيئات التعلم يصبح الأمر مختلف.

تحدي آخر في هذا التصميم هو أن المعرفة والأفكار التي تستحق التعلم يُحددها المعلم أو مصمموا المنهج فقط ولا مكان هنا لاهتمامات المتعلم  ودوافعه. لماذا نتعلم هذا الأمر ؟ لأنك ستحتاجه لاحقا. فيبدو الأمر كأننا نُعد قائمة من المفاهيم والمعارف التي نؤمن أن المتعلمين سيحتاجونها سواءً في المستقبل القريب (والذي قد يكون في نهاية الوحدة الدراسية أو الفصل الدراسي أثناء العمل على المشروع) أو المستقبل البعيد . و نصب قائمة المعارف هذه على المتعلمين ونطلب منهم أنهم يحملوها معهم في رحلة تعلمهم ليسترجعوها عندما يحتاجونها، وهو ما لا يحدث. 

تعبر جولي دركتز Julie Derkens عن مشكلة لاحقًا برسومات معبرة في كتابها التصميم من أجل تعلم الناس[3] كالتالي :

فهنا عندما يأتي لاحقًا الذي نأمل أن يستفيد فيه المتعلمون من كل ما سكبناه عليهم من معارف وأن يقوموا يتجميع كل ما تعلموه ليطبقوه في مشروع مثلًا ، سنجد أن كثير مما قدمناه لم يحملوه معهم أصلًا لأنهم لم يجدوا له معنىً أو دافع يدفعهم لحمله طوال ذلك الوقت، لم يلامس شيئًا في تجاربهم السابقة أو دوافعهم المستقبلية.  حينها يُصاب المعلمون والمربون دائمًا بحيرة ويكون النقد أن المتعلم لم يفهم ما يقوله المعلم أو أن المعلم يحتاج إلى تبسيط طريقته في الشرح وتوصيل المعلومة أو إعادة شرح ما يقوله . بينما التجربة برمتها تحتاج إلى إعادة تصميم بطريقة مختلفة .

ويبقى السؤال كيف نعيد تصميم التجربة بطريقة مختلفة . طريقة محاكية بقدر الإمكان لطبيعتنا وفطرتنا في التعلم . هذا ما سنحاول طرحه في الجزء الثاني من التدوينة.

المراجع:

[1] Valente J. A. & Blikstein P. (2019) Maker Education: Where Is the Knowledge Construction?. Constructivist Foundations 14(3): 252–262. https://constructivist.info/14/3/252

[2] يمكن الرجوع للنظرية البنائية في التعلم حول هذا الموضوع https://www.learning-theories.com/constructivism.html

[3] Dirksen, J. (2016). Design for how people learn. Berkeley, Calif.: New Riders.

الإعلان

رأيان حول “المغامرات أولًا والشروحات لاحقًا (1/2)

اضافة لك

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

المدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: