عندما بدأت منذ عامين تقريبًا في التعلم عن الأطفال وعلوم التعلم نفسها، كانت الخطوة الأولى هي أني أتيت بكل الكتب التي يبدو من عنوانها أنها تجاوب على سؤال ’’كيف‘‘.
– كيف يتعلم الناس How People Learn،
كيف يتعلم الأطفال How Children Learn،
كيف ينجح الأطفال How Children Succeed،
التصميم من أجل تعلم الناس Design for How People Learn،
كيف يفشل الأطفال How Children Fail .
كنت أبحث عن تفسيرات ونظريات، عن شيء أعتقد أنه مُعقد ولكن يمكنني أن أضعه في داخل إطار حتى وإن إستغرق الأمر بعض الوقت والجهد.
ما الذي حدث؟ لم أجد إجابة على سؤال كيف يتعلم الناس في هذه الكتب. ليس نقصًا أو عيبًا فيها ولكن وجدت التعلم أوسع من أن يُحصر بين طياتها. أذكر أني بعدما قرأت كتاب كيف يتعلم الأطفال لجون هولت كنت غاضبة ومنزعجة، على مدى 270 صفحة كان يحاول أن يجيب على سؤال كيف يتعلم الأطفال من خلال قصص وتأملات عن الأطفال مما جعلني أتسائل ’’أين النظرية..أين التفسير..أين الإجابة على هذا السؤال؟‘‘ الآن أعيد قرائته بإهتمام بتلك التفاصيل، فبداخل هذه التفاصيل أجد الإجابة.
وجدت التعلم وهو يحدث في حياتنا اليومية، في كل تفصيلة صغيرة وكبيرة وليس بين طيات الكُتب وحسب. وجدته مثلًا مع جوري ذات الثلاث أعوام ونحن نقف أمام البحيرة ونرمي فيها كل ما نجده على الأرض، وتحاول هي أن نجد الفرق بين ما يطفو على السطح وبين ما يغوص. ’’بصي..نزلت لتحت‘‘…’’طلعت لفوق‘‘..’’بتعمل دواير كبيييييييرة‘‘. وجدته مع لينة وهي تحاول أن تبني شيئًا ذي معنىً شخصيًا بالنسبة لها، تُوصل مصدر الصوت بالطارية ثم تخبرني ’’ده بقى حيبقى المنبه اللي حصحي بيه بابا الصبح..لأن نومه تقيل وبيأخرنا على المدرسة‘‘. وجدته مع عبد الرحمن ذو الأعوام السبعة وهو يحاول أن يُفرق بين المُدخلات والمُخرجات في الدوائر الكهربائية فيقول لي بعد بحث ومحاولات ’’دول – يقصد المُدخلات- مش بيعملوا حاجة‘‘. وجدته مع شهد وهي تقول بسعادة بعد فترة من الحيرة ’’آآآه جميل..أنا الأول مكنتش فاهمة إحنا بنعمل إيه..دلوقتي فهمت‘‘. وجدته مع يوسف ومحاولته للوصول لحقيقة أن جدته هي جدته، مع نهى وعبدالعزيز وحسن وهم يحاولون رسمي، مع ليلى وهي تتعلم كيف تقفز من على السلم، مع منى في أول مرة قابلتها فيها، وجدته في مراقبة الأطفال والإستماع لهم أكثر مما وجدته في الكتب.

وجدت أنه من السهل أن تُصمم خطة لدرس أو ورشة عمل على ورقة، الأصعب أن تعرف كيف ومتى عليك أن تُغير هذه الخطة بناءً على ردود أفعال الطُلاب.[1]
من السهل أن تحفظ جيدًا ما عليك أن تقوله في المُقدمة والخاتمة والشرح.الأصعب أن تعرف كيف تسمع أكثر مما تتكلم، أن تعرف كيف تسمع باهتمام حقيقي لطُلابك وتعليقاتهم فيما بينهم كي تفهم ما يدور في أذهانهم وتتعلم عنهم.
من السهل أن تقرأ عن أهمية التساؤل وكيف تُخطط لأسئلة جيدة، الأصعب أن تُساعد الطالب على طرح أسئلته هو بحرية ومساعدته على إيجاد الإجابة.
من السهل أن تقرأ عن أهمية التعلم بالإستكشاف ، الأصعب أن تعرف متى تُجيب على أسئلة الطفل لأن تأخير الإجابة في هذا الموقف قد يكون مضر، ومتى لا تجيب وتترك له مساحة لللإستكشاف.
من السهل أن تعطي ورشة لثلاث ساعات وقد يخرج الطُلاب سُعداء،وأن تنغر بهذه السعادة وترى أن الأمور كلها على مايُرام وأنك مُعلم جيد. الأصعب أن تجلس في جلسة تأمل لثلاث ساعات أُخرى تُحلل ما قمت به. ما الذي كان جيدًا أو سيئًا في هذه الورشة ولماذا كان جيدًا أو سيئًا وكيف نحافظ على الأشياء الجيدة ونعالج الأشياء السيئة. أن تعترف بسهولة بأخطائك وأن قمت بإختيارات غبية مع الطُلاب دون أن تخجل من ذلك.
من السهل أن تجعل ورشة العمل أو المحاضرة تدور حولك، أن تطلب منهم أن يجلسوا في هدوء ويستمعوا لما تقوله جيدًا. الأصعب أن تجعلها تدور حولهم هم، أن تجعل إحتياجهم لك يقل، وأن تساعدهم في أن يتعلموا سويًا بدون أن يعتمدوا عليك.
من السهل أن تجعل تجربة التعلم عملية hands on وليست نظرية، أن تأني بأدوات غالية أو رخيصة. الأصعب أن تُساعد العقول على العمل، فتشغيل الأيدي لا يعني بالضرورة تشغيل العقول.
كل هذه أشياء لن تجدها في الكُتب، ليس تقليلًا من أهمية الكتب فقد ساعدتني كثيرًا ولكن ما وجدته الكتب لن تساعد سوى في الخطوة الأولى ودعم خطواتك في رحلة التعلم عن التعلم لكن في النهاية الأمر ليس ككتاب الطبخ تسير على خطوات الوصفة فتصل للنتيجة المرغوبة.
تقول الجميلة إلينور دكورث في كتابها الجميل إمتلاك الأفكار الرائعة The Having of Wonderful Ideas
ما تعلمته من خلال عملي مع المعلمين، أنه ليس هناك من جواب بسيط لكيفية التعامل مع الأطفال في الفصول الدراسية . الأمر يكمن في أن تكون حاضرًا معهم بكل كيانك،وأفكارك ومشاعرك، و أن تتقبل الأطفال تماماً كأشخاص لهم أفكارهم ومشاعرهم الخاصة بهم.إن الصعوبة تكمن في عملك الدؤوب لكي تتعرف على مشاعرهم تلك وأفكارهم، كنقطة بداية لتطوير رؤية لعالم يهتم فيه الناس بأمن الأخرين كاهتمامهم بأمنهم الشخصي.
What I have learned from the teachers with whom I have worked is that, just as there is no simple solution to the arms race, there is no simple answer to how to work with children in the classroom. It is a matter of being present as a whole person, with your own thoughts and feelings, and of accepting children as whole people, with their own thoughts and feelings. It’s a matter of working very hard to find out what those thoughts and feelings are, as a starting point for developing a view of a world in which people are as much concerned about other people security as they are about their own.
في النهاية شكرًا ل عبد الرحمن إدلبي على كل ما تعلمته ولازلت أتعلمه منه في هذه الرحلة. وشكرًا للجميلة إلينور دكورث على كتابها إمتلاك الأفكار الرائعة فلازلت أتعلم منه شيئًا جديدًا في كل مرة أعود فيها إليه. والشكر الأكبر للصغار والكبار الذي قبلوني معلمةً لهم يومًا فكانوا هم المعلمون الذين تعلمت منهم الكثير.
[1]انظر كيف ترسم بومة
اترك تعليقًا