نحو بناء المعرفة في الفصول الدراسية 1

إذا بحثت على الإنترنت عن سؤال “كيف يحدث التعلم؟ “How Learning Happens ”  ستجد الكثير من النظريات و الكتب التي تتكلم عن هذ الموضوع ، إحدي هذه النظريات هي النظرية البنائية لصاحبها جان بياجيه ، و هو عالم نفس و فيلسوف و باحث سويسري معروف بأعماله و ابحاثه عن التطور المعرفي عند الأطفال .

 

download (2)
جان بياجيه

 

تقول النظرية أن المعرفة لا يحصل عليها الناس من المعلومات المجردة التي يتعلمونها أو يقرؤونها، و لكنها تنبني بداخلهم. يبنوها من خلال تجاربهم في العالم حولهم و إنعكاس هذه التجارب على فهمهم و طريقة تفكيرهم لكيفية عمل العالم من حولهم. فعندما نواجه فكرة جديدة فإننا نحاول ربطها بأفكارنا و معارفنا السابقة، ربما نتعلم من خلال ذلك شيئاً جديداً أو تتضح أكثر فكرة سابقة نملكها ، أو نتجاهل هذه المعلومة الجديدة بالكلية لأنها لا تتوافق معنا. في أي حال، نحن نبني معرفتنا بشكل دائم في هذه الحياة، و لنعزز عمليتنا البنائية ، علينا أن نتسائل وأن نبحث و نكتشف و نقيم ما نعرفه.

لا تقتصر هذه النظرية على التعلم في المدارس أو تعلم البالغين، و لكنها عن التعلم بصفة عامة، لو تأملت كيف تحدث عمليه التعلم و بناء المعرفة عند الطفل الرضيع فستجد أن أول مايدخل اليه من طعام هو ما يضعه في فمه من ثدي أمه، فيصبح الفم هو وسيلته للتعرف على ماحوله فيحاول بعد ذلك وضع كل شيء في فمه ليتعرف عليه، فيتذوق ماقد يجده مستساغا للاكل ومالن يحبه وسيتعرف على ملمس الأشياء كلها من حوله عن طريق فمه حتى يبدأ في استخدام يديه فيكرر اكتشاف نفس الأشياء بيديه، لم يقم أحد بتعليمه هذه الأمور انما هي فطرة الانسان وفضوله ورغبته في اكتشاف امر بعينه التي تدفعة للبحث والتجربة فتنبني لديه المعرفة حينها.

يدور الكتاب In search of understanding : The Case of Constructivist Classroom حول كيف يمكن للمعلمين إستخدام هذه النظرية في الفصول الدراسية ، تعلمت كثيراً من هذا الكتاب لذا أحببت تلخيصه و مشاركته من خلال تدوينات صغيرة لعل أحدا ينتفع بها 🙂

هناك الكثير من المباديء و التطبيقات المختلفة لهذه النظرية ، و لكن الكتاب اختار 5 مبادئ أساسية ليتحدث عنها ، و سأتحدث عن كل مبدأ في تدوينة منفصلة

constructionism

تدوينة اليوم حول المبدأ الأول و هو طرح مواضيع مرتبطة بإهتمامات لطلاب :

قبل التحدث عن هذا المبدأ ، فإن أول ما قد يخطر على الذهن هو أننا يجب أن نصمم مناهج تخضع فقط لإهتمامات الطلاب ، فنقاد هذه النظرية يزعمون أن النظرية البنائية تحفز و تشجع التعلم فقط حول المواضيع التي لدي الطلاب اهتمام مسبق بها وفقط ، و هو ما يفتقر إلى الصحة.

يقول الكتاب أن كثيرا من المواضيع التي يتعلمها الطلاب قد لا تكون مهمة بالنسبة لهم، بل على العكس قد تكون مزعجة أو ثقيلة و مملة، فالطلاب لا يأتون إلى المدرسة صباحاً وبداخلهم الرغبة في التعلم عن القواعد النحوية أو التاريخ أو الأحياء و لكن كثيرا منهم يمكن مساعدته لبناء فهم حول أهمية هذه المواضيع و تحفيزهم لمعرفة المزيد، و هذا هو دور المعلم .

والسؤال الأهم هو كيف يفعل المعلم هذا ؟  إحدى الطرق
هي طرح مشكلة لكي يحلها الطلاب ، “مشكلة جيدة” . و لكن ما تعريف هذه المشكلة الجيدة ؟
المشكلة الجيدة هي التي:

  1. تفتح المجال للطلاب لطرح توقعات و إجابات للمشكلة يمكن تجربتها و إختبار صحتها من عدمه.
  2. ليست بالغة السهولة ، بل بها درجة من التعقيد لابأس بها لتستفز عقول الطلاب للتفكير في حلول لها.
  3. تستخدم أدوات غير مكلفة .
  4. تستفيد من العمل الجماعي ، بدلاً من ان يكون عائقا لحلها.
  5. الطلاب المشتركين في حل المشكلة ، يجب أن يروا هذه المشكلة ذات مغزى بالنسبة لهم.

يعطي الكتاب أمثلة دائماً على كل المفاهيم و الأفكار التي يناقشها ، و يركز بشكل كبير على دور المعلم حيث يراه هو الأساس ، فمهما ترى هذه الأفكار صعبة التطبيق (و هي كذلك بالمناسبة و تحتاج إلى جهد كبير من المعلم ) فإن علاقة المعلم بالطلاب و شغفه لمساعدتهم في بناء معرفتهم و جهده المبذول لمحاولة فهمهم هو الأساس و هو ما يجعل تطبيق هذه الأفكار ممكنة.

نعود للمشكلة الجيدة ، يعطي الكتاب مثال على مشكلة جيدة تطبق هذه المفاهيم و هي : تجربة البندول لشرح مفاهيم الطاقة و الكم الحركة 

pendlum

يقدم المعلم بندول مكون من  5 كرات متساوية الحجم معلقة، ساكنة الحركة و ملامسة لبعضها البعض كما بالصورة. يبدأ المعلم برفع البندول الأول ثم يطلقه ليرى الطلاب كرة من الناحية الأخرى تتحرك، ثم يكرر المعلم نفس الحركة مع كرتين بدل واحدة، ثم يرفع المعلم ثلاث كرات و يترك الطلاب ليتوقعوا ماذا سيحدث عند تحريرها ؟

تختلف إجابات الطلاب( على إختلاف أعمارهم سواء كانوا طلاب مدارس أو معلمين و مربيين)، يقول الكتاب أنه عندما لايفترض المعلم أو يوضح إجابة صحيحة معينة ، فإن ذلك يجعل الطلاب يطرحون وجهات نظرهم بحرية أكبر وبخيال اوسع، يتناقشون سويا حول تفسيراتهم ليكتشفوا إن كانت إجاباتهم اختلفت بعد نقاشهم مع الأخرين أم لا. في خلال نصف ساعة ، يطالب الطلاب المعلمين بتحرير الكرات الثلاث ليختبروا توقعاتهم و تفسيراتهم على أرض الواقع.

بالمناسبة يمكنك تجريب هذه التجربة و معرفة الإجابة من خلال هذه المحاكاة بإستخدام لغة البرمجة سكراتش http://scratch.mit.edu/projects/10354959/

لا أحد يستيقظ من النوم برغبة ما لفهم مفاهيم كالطاقة و الكم و الحركة أو كيف أن عوامل مختلفة مثل طول رابطة البندول قد تؤثر فيه ولا كيف أن الطاقة و كم الحركة دائماً ما يكونا محفوظتان في أي نظام, و لكن دور المعلم هنا هو ما يهم. تصميم الدرس حول أسئلة تثير فضول الطلاب و تتحدى فهمهم المبدئي قد يثير الشرارة المبدئية لتحفيز إهتمام الطلاب. فالطلاب يجب أن يُعطوا الوقت و التحفيز لإيجاد معنى شخصي فيما يتعلمونه، و الفرصة لتوضيح وجهات نظرهم و فهمهم للمسألة. فالطلاب يحتاجون لفرصة لتأمل السؤال ، وضع إجاباتهم الخاصة و الشجاعة و التحفيز لمشاركة أرائهم مع الأخرين

4 رأي حول “نحو بناء المعرفة في الفصول الدراسية 1

اضافة لك

أضف تعليق

المدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑